الجمعة، مايو 8

الشيخ محمد لمام ولد محفوظ ولد النوه / الأستاذ : سيد محمد ولد محفوظ

سأكتب عن رجل عظيم لم استطع الإحاطة بكل مآثره الكبيرة ولا حياته الثرية، خصوصا في ذروة قوته وعطائه، حيث أدركته فقط في سنوات عمره الأخيرة في عقد الثمانينات من القرن الماضي، ولذالك ستقتصر هذه السطور في أساسها على انطباعاتي وذكرياتي .. معه خلال تلك الأعوام التي قضيتها في كنفه إلى جانب المرأة العظيمة التي شاركته مسيرة حياته حتى رحيله عن دنيانا سنة 1987،  رحمها الله، والتي كانت إلى جانبه خير أم وخير معلمة ومربية للجميع.


هو محمد الإمام الملقب النوه ولد محفوظ ولد محمد الإمام ولد الشيخ سيدي محمد ولد امني. ولد أواخر القرن التاسع عشر، وذالك استنادا إلى ما سمعته يحدث به في احد مجالسه أن وصول المستعمر"اطلوع انصاره" إلى منطقة تكانت، كان هو على أبواب مرحلة البلوغ "مسح التبيب".
عشت في كنفه ما يناهز 7 سنوات من طفولتي، كان مستوى التقدم في العمر حينها يمنعه من السفر في مهمات خارج الحي، وهي سنوات تخللتها فترات صعبة على سكان البادية في منطقة تكانت المتنقلين بمواشيهم على ظهور الإبل خلف مواطن الكلأ.
ورغم انه بلغ من الكبر عتيا، فقد ظل الرجل صابرا متجلدا كل مراحل ذالك التنقل في تلك البيئة الصحراوية القاسية أحيانا. وظل على عبادته صلاة وصوما وتسبيحا وتلاوة قرآن..، فلم أتذكر انه تخلف عن حضور المسجد حتى في الأسابيع الأخيرة قبل وفاته..، وذالك كان ديدنه مع أداء الصيام وقيام الليل.
ومع مداومته على العبادة والمطالعة..، فلم ينعزل "النوه" عن الحياة أو يتخلى عن مسؤولياته فيها، بل كان رجل دنيا ودين، يأمر وينهي، يدبر شؤون الحي ويسهر على راحة الضيف ويقوم على مصالح الجار وذوي القربى.
عرفته كريما بشوشا مع  أي طارق ممن يعرفه ومن لا يعرفه، وحدثتني ولادتنا المغفور لها، زينب بنت كريم الدين، انه في احد الأزمنة وهم في منطقة "افل"، كان النوه رحمه الله، يخرج مساء كل يوم بحثا عن ضيوف وعابري سبيل يستجلبهم إلى البيت ليشاركه نعمة ألبان هجانه النجائب،  فقد كان جل ماله من كرائم الإبل التلاد.
وفي الجانب الروحي.. ظل يوجهنا بحكمه الصائبة عن تجارب الحياة ويحثنا على العمل والمثابرة مع التشديد على طلب العلم في نفس الوقت، وأتذكر أني اعترضت مرة على أداء بعض النشاطات المتعلقة برعاية إبل الحي بحجة انشغالي بالدراسة في المحظرة، فمما رد به علي قوله: هل تعرف أن أخوالك الجكنيين لم يشغلهم المال عن طلب العالم وكانوا يوازنون بين الاثنين معا في أروع الأمثلة. كما كان يقول لي أيضا: "لكراي فالراص ماه افاس ولامكناس" ومعنى ذالك أن الاستعداد للعلم والهمة في تحصيله تكفي طالبه عن السفر إلى بعض حواضر العلم في ذالك الزمان مثل فاس ومكناس المغربيتين.
ومن أخلاقه العظيمة وهو الذي أكمل الله له صفات الرجال الكبار في عصره، انه ضرب الأمثلة الحية على التضحية والمؤاخاة وذالك بمساندة إخوانه وأبناء عشيرته
وكان محمد الإمام "النوه" مع مهابته واستقامته ووقاره..، يميل في كثير من الأحيان إلى المزاح والنوادر والطرائف..، وهنا أتذكر انه في إحدى الليالي طلب مني أن امتطي جملا رفقة طفل آخر للذهاب إلى منطقة تسمى"لكزانه" وهي مقر رئيسي للدببة المفترسة، وذالك للبحث عن نوق لقاح تخلفوا عن بقية الإبل وضلوا في نفس البلدة المخيفة حقيقة. فأجبته بتلقائية: "والدي النوه نحن مافين حد من رجالت لكزانه" أي انه لا يوجد من بيننا رجال شجعان يستطعون الاقدام على مكان الدببة ذالك. فأصبح يمازحني بعد ذالك بكلمة "رجالت لكزان" ويحكي القصة كطرفة على جلسائه.
 كما كان رحمه الله، يرتاح وتنبسط أسارير وجهه، عندما يتحدث في إحداث التاريخ وعن سير المجاهدين والعظماء .. مع احد أصدقاه وأخلائه من الأفاضل والمشايخ، مثل العالم الجليل إسلمو ولد حين الجكني الذي كان يزوره على الدوام، أو الفقيه والشيخ الفاضل أعلمبطالب، الذي كان من معاصريه، وكذالك الزعيم الفذ احمد محمود الناجي ولد لخليفه، والفقيه احمد ولد بادي، والرجل السمح المؤرخ الخليفه ولد جار الله.. وغير هؤلاء من علية القوم، ممن كانوا يزورونه سواء كانوا من قرابته أو من جواره بمنطقة تكانت من المجموعات الأخرى مثل (أهل أبات، و تجكانت، و كنت...) كما كان يتذكر على الدوام بعض الأفاضل الذين عاصرهم مثل الشيخ سيد محمد ولد بادي، وأباه ولد لخليفه، ومحمدو ولد العيل.. وغيرهم من الأفذاذ رحمهم الله.
ونذكر من بين جماعته في مسجد الحي المتنقل "لفريك" الذي كان يطيب له الحديث معهم في آخر أيامه: الداه، ومحمدو أبناء محمد اللحاج، والداه ولد محمد عبد الجليل، وبادي ولد الشيخ سيدي محمد، ومحمد عبد القادر ولد احمد فال، وأبنائه محمد الأمين، ومحمد،... رضوان الله على الجميع.
انتقل محمد الإمام، النوه ولد محفوظ إلى جوار ربه شتاء سنة 1987م في مرتفع قرب وادي "انتاكش" في الجنوب الشرقي لبلدية انبيكه بمقاطعة المجرية – ولاية تكانت، إثر وعكة صحية خفيفة لم تطل أكثر من أيام قليلة، ونقل على الإبل ليدفن في منطقة "بوراكه" على الجنوب الشرقي من مدينة المجرية، إلى جوار أخلائه من العلماء وحملة كتاب الله العظيم مثل احمد ولد بادي والداه ولد محمد عبد الجليل. رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن ألئك رفيقا.
بقلم سيدي محمد ولد محفوظ

هناك 3 تعليقات: