الأحد، يوليو 3

أحمد محمود الناجي ولد الخليفة رحمه الله [1905,1989]


   هو أحمد محمود الناجي ولد الخليفة ولد زين العابدين ولد الشيخ أحمد محمود ولد الشيخ سيد محمد ولد أمنَّ, وأمه ميمونة بنت الشيخ محمدو ولد الشيخ سيد محمد ولد أمن, أي أن الرجل سليل بيتين اختبرتهما الأقدارلتسيير وتدبير شؤون العشيرة الدينية والروحية والدنيوية،
فبعد رحيل الشيخ سيد محمد ولد أمن, ولحاق نجله الكبير الشيخ أحمد محمود به, بعد أقل من عام تولي فعليا القيادة الروحية و الدنيوية نجله الشيخ محمدو الملقب بادي جد أحمد محمود الناجي لأمه ، وقد شاطر بادي أبن أخيه وصديقه زين العابدين ولد الشيخ أحمد محمود النهوض بذلك العبأ الكبير وزين العابدين كما هو معلوم جد الرجل لأبيه أي أن القدر قد جعل من ذلك المولود سنة 1905 خيارا محتملا في تولي مقاليد عشيرته وقيادتها وشاءت الأقدار أن يولد هذا الرجل ويترعرع في زمن استثنائي مليئ بالمستجدات المثيرة ، فظاهرة الاستعمار نزلت على المجتمعات والقبائل الشنقيطية نزول الصاعقة وذلك بالرغم من التدرج والتمهيد الواضع الذي كشف نواي المستعمر في الهيمنة على القطر واستقلال خيراته، ولقد أختارت عشيرة أهل الشيخ ولد امن كمرجعية دينية غيورة على القيم والكرامة أن تكون في طليعة المجتمعات الرافضة لهيمنة المستعمر والإذعان له لذا بادر قادتها ورموزها آنذاك وعلى رأسهم والد أحمد محمود الناج والخليفة ابن زين العابدين إلى الخيار المتاح والذي أفتي به جل علماء القطر وفقهائه وهو الهجرة واللحاق بأرض الله المنضوية تحت لواء إسلامي فكانت الهجرة إلي العرش العلوي هي الخيار لكل من رست قناعته على ذلك التوجه وقد هاجرت العشيرة باتجاه المغرب والرجل لا يزال طفلا وانتهت تلك الهجرة وهو لا يزال يافعا بعد ان أصبح الإستعمار أمرا واقعيا والتقية منه ومداراته وسيلة واجبة لإتقاء شره وبطشه ومن المصادقات أن السنة التي ولد فيها أحمد محمود الناجي هي ذاتها التي قتل فيها كبولاني قائد الحملة الفرنسية في القطر الموريتاني على يد سرية من المجاهدين بقيادة سيد ولد مولاي الزين وبعد عودة القبيلة من الشمال بعد أكثر من عقد من الزمن توفي والد أحمد محمود الناجي وهو لايزال فتي في مقتبل العمر,
الأمر الذي كان له أكبر الأثر عليه وعلى أخوته وأهل بيته فقد أضطر لهجر المحظرة ليتولي تدبير بيت أبيه الذي لا يزال يضم أمه و أخواته وقد أقبل على ممارسة تجارة المواشي يقايض حيوانات الشرق بحيوانات الغرب ويتاجر بالبضائع وقد سافر في سبيل ذلك إلى أكثر من وجهة حتى كون في زمن قياسي ثروة من ثروات ذلك الزمن مكنته من أداء واجبه الاجتماعي على أكمل وجه، بالإضافة إلى اكتساب خبرة واسعة وتجارب متعدد وقد كان خلال مراحل حياته منسجما مع أعمامه وأخواله وكافة عوائل العشيرة وسادتها وأفرادها وأتباعها وعندما بلغ الثلاثين من العمر,إستدعته العشيرة ليتولى تسيير شؤونها وينظم علاقاتها مع الإدارة الاستعمارية والمحيط الاجتماعي المجاور ,ويعمل على صيانة حرمتها ويذود عن كرامتها وحقوقها ولعل ما أشرنا إليه من وسطية الرجل في المجتمع وتجربته الواسعة في العلاقات مع الآخرين بالإضافة إلى مخايل الرجولة والاتزان هو ما جعل الجماعة بحكمائها ورموزها يصرون على إختياره لهذه المهمة الصعبة التي لا يبدو أنه كان يرغب في توليها بدليل التمنع الشديد الذي أبداه وبدليل أنه قبلها بشروطه المعروفة بعد إصرارهم والمتمثلة في وثيقة التكليف التي حررها وشهد عليها قاضي القضاة في زمنه أحمد ولد أبات.
وبموجب ذلك التكليف يكون أحمد محمود الناجي قد خلف ثلاثة من ابناء العشيرة كلفوا قبله بتدبير شؤونها وهم على التوالي محمدو لد زين العابدين ولمام ولد اعل ولد أحمد ويعقوب ولد جار الله وقد كلف هؤلاء الثلاثة بمهمة تسيير شؤون القبيلة من قبل الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ محمدو.
الذي مثل المرجع العام للعشيرة بعد أبيه بادي وأبن عمه زين العابدين ويشرفني أن تتاح لي فرصة كتابة سيرة هؤلاء الثلاثة وإبراز مآثرهم الحميدة.
إذن لقد أصبح الرجل رئيسا للعشيرة منذ 1938 وظل يجاهد ويجتهد ليحافظ على حقوقها ومصالحها ويدرأ عنها المخاطر وقد ساعد الرجل على أداء واجبه بالإضافة إلى حنكته وحسن تدبيره نخبة من رجال العشيرة الكبار الأفذاذ أمثال الشيخ سيد محمد ولد بادي وبدين ولد أبو والنوه ولد محفوظ ومحمد ولد سيد حيبلله وأعلبطالب ولد أحمد عبد الدايم وأخويه محمدو وأباه أبناء الخليفة وقد خلف جيلهم من الرجال العظام جيلا آخر من أبرز رجالاته محفوظ ولد جار الله وسيد محمد ولد الداه وأبو ولد محمد عبد الله والخليفة ولد جار الله ـ أطال الله عمره.
ولقد تعاقب هؤلاء الرجال على إختلاف أجيالهم على تأييد الرجل والوقوف إلى جانبه في كل الملمات التي مرت بها العشيرة ـ وما أكثرها ـ لقد كان الرجل وعشيرته كمن يمشي عبر حقل كبير من الألغام فقدر الذين يناوئون إرادة المستعمر وينادون بالخلاص منه أن يواجهوا مكائده ومكر أتباعه ولو تتبعنا المواقف والأحداث التي واجهت الرجل وعشيرته لأحتجنا إلي تدوين مجلد كامل ولكننا سنكتفي بلقطات موجزة نبدأها بما أصطلح على تسميته بعهد لبروباكندا.
الذي واكب الممارسات الإنتخابية لتمثيل الإقليم في اتحاد مستعمرات غرب افريقيا وفي البرلمان الفرنسي ولأن الرجل والعشيرة وقفوا مع حرم ولد عبد الجليل ومن الحرب والاستقلال آنذاك فقد ذاقوا الأمرين وعبئت ضدها كل من مراكز النفوذ في سركل تكانت ولبراكنة من أمراء وترجمان ومرجعيات دينية موالية وقد عملت تلك الجهات على إلحاق الضرر بالجماعة عبر سلسلة من حلقات الكيد والتآمر المتواصلة حتى ما بعد الإستقلال ومع كل ذلك ظلت العشيرة متماسكة عالية الجبين رغم تجاوب بعد مكوناتها مع ترغيب وترهيب الإدارة الاستعمارية وأعوانها .
وكخلاصة لأحداث مثيرة عبر عقود طويلة نالت البلاد استقلالها والرجل قيد الإقامة الجبرية هو وأهله وأسرته في مركز مقاطعة المجرية على خلفية إدانة باطلة بمخالفة القانون الفرنيسي عندما ادعي عليه رئيس مكتب الإنتخاب بأنه أخل بسرية الاقتراع في إستفتاء (نعم ولا) ولتلك الحادثة قصة مثيرة نوجزها في أن المستعمر عمل على تحييد صوت عشيرة أهل الشيخ ولد امن التي كانت وقتها من أكبر العشائر فوضع مكتبها الإنتخابي في موقع بعيد يستحيل على أغلبيتها الوصول إليه فأغلب العشيرة في ولاية كوركل ولبراكنة ومكتب الإقتراع في جبال تكانت في منطقة آقنيزير..!!
وأثناء ذلك الإحتجاز أرغمت الإدارة الإستعمارية عموم العشيرة على التواجد في منطقة لتفتار لإعادة صياغة قانون "لتفتار".
لعزل احد مشايخ العشائر الرافضة للإستعمار وأتباعه, وتواجدت العشيرة من أقصاها إلى أقصاها  وحضرت الإرادة وأتباعها ودعوا المناوئين للرجل لرفع أصواتهم فلم يجرأ أحد على تقديم نفسه بديلا عنه وهتفت العشيرة مطالبة بإطلاق سراحه وإعادته إلى مكانته فانتفض الحاكم العسكري وسب من حرضوا على هذا الإجراء ووصفهم بالكذابين.
وأمر بإطلاق سراح الرجل ومواصلة أدائه لمهامه في عشيرته
 وبعد الإستقلال أكتفي الرجل وعشيرته بتقبل التهميش الذي مارسته إدارة الإستقلال ضد المناوئين السابقين لإدارة المستعمر وتفهمت العشيرة ذلك من إدارة المختار ولد داداه التي فرضتها إدارة المستعمر في عهد الإستقلال,وكان هنالك الكثير من المشاكل والمعايير المزدوجة.
والتسلط, لكن جرأة الرجل ورصيد العشيرة الإجتماعي ذللا تلك التحديات رحم الله الرجل فقد حقق مع رجالات القبيلة العظام الكثير من الانجازات وجلب المنافع ورد المظالم وحقق الكثير من المجد والصيت والاعتبار ونحن نسجل هنا في هذا المقام أن الرجل كان في الواجهة وكان على مستوي المسؤولية بحنكته وقوة شكيمته وكرمه وحسن مبادرته لكننا نؤكد أنه كان محظوظا جدا وحسن الطالع إذ وقف إلى جانبه جمع من الرجال العظام الكرام من ذوى الهيبة والمروءة والمعرفة والسياسة فتكاملت أدوارهم وتوحدت إراداتهم ولم تفسد الخلافات العابرة للود قضية بينهم.
فرحمهم الله جميعا وبارك في أخلافهم .
توفي أحمد محمود الناجي ولد الخليفة سنة 1989م عن عمر ناهز الثلاث والثمانين سنة وقد كرس حياته ليروي علة العطشان ويخفف من جوع الجياع وشواهد إنجازاته كثيرة في (بيرآجويل ـ آكميمين ـ توروكيلين ـ )وبصماته حيث ما وجدت أرض وأناس من عشيرته واضحة ،وسمعته ومكانته بين الآخرين في المحيط العام طيبة، وعن مآثره أحيلكم إلى رثائه من الراحل المغفور له محفوظ ول جار الله فشعر محفوظ سجل للحقيقة لا زيادة ولانقصان ذلك ما يشهد عليه القاصي قبل الداني, يقول فى قصيدته
كل الوجـــــود قصـــارى أمره العـــدم ****** يفنى الجميـــــع ويبقــــى من له القدم
والمرء طالت  ليالى العمر أم قصرت ****** لابـــــد بالأجـــــــــل المحتو يصطدم 
لكن بقــــــدر الرزى والمصائــب من ****** عظــــم وهون يكــــون الحزن والألم
هل يستــــــــوى ذان يوما فى مقارنة ****** أو يستوى العطر عند العرس والسلـم
لكن مصيبتنا بالندب أحمد محمـــــــــــ***** ود وإن تـــــك رزء شأنـــــــــه العظم
لسنـــــــا نعظمها لكـــــــن نحدث عن ****** آثاره الغـــــــر لاإثــــــم ولا جـــــرم
فتى تعــــــــود بســــــط الكف مكسبه ****** مجد ومعمـــــــده لاالإبــــــــل والغنم
كم أزمــــــة تلقـــــــــــاها وكارثـــــة ****** تقاصــــــــرت عن تلقــى مثلها الهمم  
أمسى ذووها ذوى غم ففرجــــــــــــها ***** فأفرخ الروع منهم بعدما أنــــــــــهزم
سائل به أرملا عاف وأرملة فى نفسها ***** جذوة الحاجات تضـــــــــــــــــــطرم 
كل تعود منه أي موهـــــــــــــــــــــبة ***** من أبيض الكف سمح دأبه الكـــــــرم 
مآثر غضت الآفاق وأنقشعــــــــــــت ***** مــذ غاب فى اللحد ذاك السيد الـــــعلم 
واعجب لمجد ملئ الدنيا برمتـــــــــها ***** صيتا بأية حال ضمه الســـــــــــــــنم 
أبى الأرامل يامن بذل راحــــــــــــته ***** فيه أستوى عنده الأقصون والرحــــــم 
جازاك أجرا ورضوانا ومغـــــــــــفرة **** ورحمة من إليه يصعد الكــــــــــــــــلم 


 رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته. 
بقلم محمد عبد الله ولد الخليفة    

هناك 5 تعليقات:

  1. اللهم أرحمه وأغفر له وتجاوز عنه

    ردحذف
  2. هؤلاء آبائى فجئنى بمثلهم ** اذا جمعتنا ياجرير المجامع

    ردحذف
  3. أعتقد أنه من المهم ذكر قصص وآثار رجالاتنا الذين تركو بصمات واضحة جلية فرحكهم الله وبارك في شباب المدونة

    ردحذف
  4. وقد خلف هذا الجيل جيل محفوظ ولد جار الله وسيدى محمد ولد الداه وابو ولد محمد عبد الله والخليفه ولد جار الله اطال الله عمره ) انتهى الاستشهاد كان من العدل والانصاف ان يكر اسم العالم الجليل المرحوم محمد امانة الله ولد جار الله اكاد اجزم ان اسمه لم يسقط سهوا سامحكم الله

    ردحذف
  5. اللهم ارحم عبدك دحمود الناجي بما علمنا عنه و ما رأينا منه و ما سمعنا عنه من رفعة فقد كان فعلا رجل خيرا فاضلا متنورا باسم الوجه طلقه بسيط المظهر من غير تكلف جوادا شجاعا و كذلك رفقاء دربه رحمهم الله جميعا و اسكنهم فسيح جناته .

    أخوكم أبوالفحفاح
    مدير منتديات مدائن الريح

    ردحذف