الثلاثاء، أكتوبر 29

الخليفة ولد جار الله ... إلى جنة الخلد / الأستاذ : محمد المصطفى ولد أعلبطالب


برحيل الخليفة ولد جار الله تفقد قرية توروكيلين – ومعها مقاطعة المجرية وولاية تكانت والوطن باكمله – رجلا اجتمعت فيه خصال وشيم قل أن تجتمع فى شخص واحد , فقد كان عارفا بربه ,تقيا ورعا , داعيا إلى الله مصلحا بين الناس , وكان إلى ذالك كريما ,شهما , متشبثا بالقيم النبيلة وفيا مخلصا مترفعا عن الدنايا ساعيا إلى العلا
,مرتقيا سلم المجد الذى كان من بناته ,مسديا خالص النصح للجميع يستوى فى نصحه وتربيته القريب والاقرب , لأنه لم يكن بعيدا من أحد ويشهد على ذالك القاصى والدانى.
لقد كان الأب العطوف والأخ الكريم , والصديق الحميم , لم يكن يحتكر علما وما قصر فى إسداء معروف , وقد زودنا جميعا بلوحات التحكم والمفاتيح التى تمكننا من قيادة سفينة الحياة بوقود الاخلاق والقيم النبيلة التى زرعها فينا.
فقد حفظنا من خلال نصائحه مأثورات وحكما من تراث الأسلاف , ففى اختيار الصحبة تعلمنا منه قول الشاعر الحكيم :
لاتصحبن لئام الناس إن لهم **** عدوى وإن كنت من غر أناجيب
فالريــــح آتية بما تمر به **** نتنا من النتن أو طيبا من الطيب
وفى التواضع وكرم النفس تعلمنا منه قول حكيم آخر :
إذا امتلأت نفس اللئيم من الغنى **** ترافع كالمرحاض فاض فأنتنا
وإن كريم الأصل كالغصن كلما **** تزايد من خير تواضع فانحني
وفى الأخلاق والتضحية وإتساع الصدر تعلمنا منه قول الشاعر :
لايحمل الحقد من تعلو به الرتب **** ولاينال العلا من طبعه الغضب
وقول الآخر
إن السيادة فى اثنتين فلا تكن **** ياابن الأكارم فيهما بالزاهد
حمل المشقة وإحتمال أذى الورى **** ليس المشمر للعلا كالقاعد
لقد جسد الراحل العزيز كل هذه القيم والاخلاق فى حياته ,فضرب أروع مثال للتضحية من أجل الآخرين غير عابئ بما يعترضه من عقبات فى سبيل ذالك , فالرجل له حظ من اسمه.
كان الخليفة على مستوى الخلافة فكان خير خلف لأسلافه الأخيار , فقد صان ورعى وخلد المجد الذى خلفوا , كما كان أمينا فى خلافة الناس فى مصالحهم وشؤونهم العامة والخاصة.
عاش الفقيد بهذه القيم الفاضلة ولها رغم مسؤولياته المهنية والسياسية الجسيمة التى اسهم من خلالها – بتفان قل نظيره – فى بناء الدولة الناشئة كمعلم ومدير ومسؤول سياسى على إمتداد العقود الأولى من عمر الدولة المورتانية.
وإن فقدان هذه القامة الفارعة التى كانت تشكل جسرا للتواصل بين أطراف المجتمع وبينه والمجتمعات الأخرى , ليشكل فاجعة تشيب لهولها الولدان وتنهدُ لوقعها الأركان.
وإذا كان أستاذنا الفاضل : د جار الله ولد سيد محمد عبر بصدق -في رثائه للفقيد-عن هذه الفجيعة ,فإننا لانملك إلا أن نشاطره هذا الشعور ,لكننا نزيد على ذالك لنستعير ماقاله شعراء آخرون فى مراثٍ أخرى, علَ ذالك يسرى – ولوقليلا – عن نفوسنا المكلومة
فنقول فى فقيدنا ماقاله المرحوم أحمد فال ولد أعبيدى فى رثاء شيخه أبات ولد الطالب أحمد جدو اذ يقول :
ذوى العيشُ بعد الخفض فهو زهيدُ **** وأُنجزَ من صرف الزمان وعيدُ
وأظلم مصباح الهدى وتهدمت **** شماريخُ أعلام الهدى ونهودُ
ونقول فيه أيضا ماقاله محفوظ إبن جار الله رحمه الله فى رثاء محمد السادس ملك المغرب
قد حُقَ للصبر أن ينهد قيمُهُ **** حزنا وللدمع أن ينهل صيبُهُ
ونقول فيه ماقال الخليل النحوي فى رثاء العلامة محمد سالم ولد عدود
وحلما وعلما وأكنافا موطأةَ **** لممت بها شتات البر غيبا ومشهدا
ونقول ...ونقول ...ونقول.......
ولايتسع القول لما يختلج فى الصدور
ويبقى عزاؤنا الوحيد أن هذا الفقيد لم يبن قصورا شاهقة , وإنما بنى مجدا أثيلا ,وورث أبناءه وبناتِه ثروة هائلة من القيم النبيلة ستكون عونا لهم على تحمل أعباء الحياة ومواصلة الطريق الموصل الي ذري المجد .
فرحم الله السلف وبارك فى الخلف .

"ومامات من أبقى ثناء مخلدا **** وما عاش من قد عاش عيشا مذمما " 


0 التعليقات:

إرسال تعليق